الوقف في القانون المغربي


إن الوقف نظام شرعي قائم بذاته وباب من أبواب الفقه الإسلامي يهدف إلى حبس العين على حكم الله تعالى والتصدق بثمارها على جهة من جهات البر، فهو نوع من الصدقات الجارية تنفع صاحبها بعد موته، تتظافر الجماعات في إعانة المعوزين وإقامة دور العبادة الخيرية به، فما كان ليعمر بيت المال بغير وقف، وسنقوم من خلال هذا التمهيد بتحديد ماهية الوقف من خلال تعريفه (أولا) ثم مصادره(ثانيا)، بعد ذلك تميزه عن بعض الأنظمة المشابهة له (ثالثا)

الوقف في المغرب. الأحباس في القانون المغربي
الوقف في القانون المغربي

الفرع الأول : مفهوم الوقف 

الوقف لغة بفتح الواو وسكون القاف ، مصدر وقف الشئ و أوقفه بمعنى حبسه واحبسه ، وتجمع على أوقاف و وقوف ، الوقف والتحبيس والتسبيل بمعنى واحد وهو لغة الحبس والمنع .

واصطلاحا فالوقف عند المالكية هو حبس العين اي تصرف تمليكي يتبرع بريعها لجهة خيرية تبرعا لازما مع بقاء العين على ملك الواقف .

والوقف عند الحنفية هو حبس العين على حكم ملك الواقف والتصدق بالمنفعة على جهة خير .

وعند الشافعية عرفه الإمام النوري عن الأصحاب قوله : حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته ، وتصرف منافعه إلى البر تقربا الى الله تعالى .

وعند الحنابلة عرفه الموفق ابن قدامة بأنه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة .

ونرى من خلال هذه التعاريف ، ان جميع المذاهب اتفقت على ان الوقف هو تحبيس منفعة عين ما قصد التقرب الى الله تعالى مع الابقاء على ملكية العين المحبسة .

اما على مستوى التشريع ، فقد عرفه المشرع المغربي في  المادة الأولى من مدونة الأوقاف  ، بان : " الوقف هو كل مال حبس أصله بصفة مؤبدة او مؤقتة ، خصصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة او خاصة ، ويتم إنشائه بعقد او بوصية او بقوة القانون"  .

وعرفه المشرع الجزائري في المادة 3 من قانون الأوقاف كما يلي : " الوقف هو حبس العين عن التملك على وجه التأبيد والتصدق بالمنفعة على الفقراء او على وجه من وجوه البر والخير" .

ونلاحظ من خلال هذين التعريفين ان كل من المشرع المغربي والجزائري  وكذا معظم الدول الإسلامية ، تعتبر  الوقف هو حبس العين و التصدق بمنفعتها على وجه البر والإحسان ، سيرا على نهج التعريفات المذاهب الأربعة . 

الفرع الثاني : أنواع الوقف 


بالرجوع الى مدونة الأوقاف في الفقرة الأخيرة من المادة الأولى ، نجد ان المشرع المغربي حدد أنواع الوقف كالآتي :  "يكون الوقف اما عاما اومعقبا او مشتركا "

وعليه يتضح ان للوقف ثلاثة أنواع : وقف عام ووقف معقب ووقف مشترك ، وسنقوم بايضاح كل نوع على حدا .

 ـ بالنسبة للوقف العام : او الأحباس العامة ، هي التي توقف على جهة من جهات البر والخير ولا يكون المحبس عليه شخصا معينا ، وذلك مثل  المساجد ، والزوايا، والأضرحة ، والمقابر ، ومثل العقارات المحبسة على خدمة المستشفيات ، والمدارس التي تشتمل على بيوت لإيواء طلبة العلم والملاجئ المخصصة للعجزة والأيتام والأحباس العامة الخاضعة دائما لإدارة الدولة وإدارتها ، حيث كان الملك يعين ناظرا للأوقاف في كل مدينة او ناحية ، ليسهر  على مصلحة الأوقاف ويعملها على تسييرها والمحافظة عليها ،ويضمن أداءها للخدمة المتوخاة منها 

كما كان هذا التسير خاضعا لراقبة المحتسب الذي كان من اختصاصه ان يهتم بالأحباس والقائمين عليها لتؤدي وضيفتها الاجتماعية على احسن وجه .

ثم انشئت وزارة خاصة بالاحباس وضهرت عدة ظهائر في ذلك تنظم الوقف، لتصدر بعد ذلك مدونة خاصة بالأوقاف .

وقد عرفت هذه المدونة الوقف العام في المادة 50 بأنه :  "كل وقف خصصت منفعته ابتداء او مآلا لوجوه البر والاحسان وتحقيق المنفعة العامة ... "

وهذا الوقف تشرف عليه حاليا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مباشرة ، وقد منحه المشرع المغربي الشخصية الاعتبارية مند انشائه .

 ـ اما بالنسبة للوقف المعقب : ويطلق عليه ايضا الوقف الذري او الأهلي ، فقد عرفته المادة 108 من مدونة الأوقاف بانه :  "ما وقف على ولد او عقب او نسل او ذرية المحبس او غيره " .

وقد قيد المشرع المغربي الوقف المعقب في حدود ثلاث طبقات ، اي يكون للموقوف عليه ثم لأولاده ثم لأولاد أولاده ، على ان كل وقف معقب تجاوز هذا الشرط يعد باطلا ، الا اذا تم إنشائه قبل صدور مدونة الأوقاف .

 ـ اما النوع الثالث فهو الوقف المشترك : فهو كل ما وقف ابتداء على جهة عامة و على شخص بذاته او عليه او على عقبه ، وقد اخضع  المشرع المغربي احكام الوقف المشترك لنفس الأحكام المطبقة على الأموال الموقوفة وقفا عاما .

أولا : تعريف الوقف:

الوقف: في اللغة هو الحبس والمنع وجمعه وقوف وهو مصدر وقف، يقال وقفت كذا أي حبسته ويقال وقفت الدار- الأرض أي حبستها على مالكها والجمع أوقاف.

والوقف في الاصطلاح الشرعي، حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة ويقصد بعين الوقف أو رقبته أصل الوقف وهو الشيء الذي وقفه الواقف كان يكون دارا أو بستانا  "

وقد عرفه ابن عرفة: بأنه إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديرا".

وهو التعريف الذي تبناه المشرع في مشروع مدونة الأوقاف التمهيدي (صيغة 26 ماي 2004 ) فقد كان هذا  الأخير ينص في المادة 5 منه على أن "الوقف هو عبارة عن إعطاء شيء مدة وجوده لاستيفاء منافعه خاصة".

أما مدونة الأوقاف فقد عرفته في المادة الأولى بأنه "كل مال حبس أصله بصفة مؤبدة أو مؤقتة وخصصت منفعته لفائدة جهة بر و إحسان عامة أو خاصة"

ثانيا : مصادر الوقف :

لقد نصت المادة الأولى على أن الوقف ينشأ بالعقد أو بالوصية وبقوة القانون وبالتالي فمصادر الوقف باعتباره التزاما هي ثلاثة، على الشكل التالي:

1 : العقد

     يمكن تعريف العقد قانونيا بأنه:" توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني"، سواء تجسد هذا الأثر في إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه إلا أن هذا المعنى لا ينطبق على الوقف حيث جاء في المادة 17 من مدونة الأوقاف على أنه:" ينعقد الوقف بالإيجاب "ومعناه أن الوقف لا ينصرف إلى التصرف الصادر من جانبين ، بل يعتبر صادر عن التصرف الانفرادي أو ما يعبر عنه بالإرادة المنفردة. 

     وبناء عليه يمكن الرجوع إلى مصطلح العقد في ضوء الأصول الفقهية حيث يطلق العقد على ما ينشأ بإرادة واحدة أو إرادتين 

2: الوصية

     الوصية حسب المادتين 277 و 278 من مدونة الأسرة تعتبر عقدا حيث نصت الأولى على أن :"الوصية عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزم بموته" وتنص المادة 278على أنه :" يشترط في صحة عقد الوصية ...."، وهذا يعني أن الوقف وإن جاء في صيغة وصية فإن مصدره الأصلي هو العقد وتنصيص المشرع على الوصية كمصدر مستقل لعقد الوقف فهو للتأكيد فقط على عدم نفاذه إلا بعد موت الموصي بالوقف، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض أنه:"لما كان مقررا فقها أن كل تبرع مضاف إلى ما بعد الموت يعتبر وصية، وكان البين من أوراق الملف أن الهالكة صفية بنت أحمد إن عبرت بلفظ الحبس في العقد موضوع النزاع فإنها ربطت تنفيذه بوفاتها والمحكمة لما اعتبرته وصية وطبقت عليها أحكامها تكون طبقت القواعد الفقهية التطبيق الصحيح"

3: القانون

حسب المادة الأولى من مدونة الأوقاف فإن الوقف ينشأ أيضا بقوة القانون، غير أن الملاحظة التي تفرض نفسها هو أن القانون عندما يكون مصدرا لتصرف أو واقعة قانونية يكون عليه أن يحدد الحالات التي يقوم فيها مصدرا لذلك التصرف أو الواقعة القانونية باعتبار أن تدخله كمصدر للتصرف يشكل خروجا عن الأصل المتمثل في أن مصدر التصرفات إنما هو إرادة المتصرف وماهو خارج عن الأصل استثناء، والاستثناء ينبغي أن يكون منضبطا في مضانه وفرضياته ولعل خير مثال صريح على إثر تلك المضان والفرضيات مانصت عليه المادة 50 من المدونة من أن جميع المساجد والزوايا والأضرحة والمقابر الإسلامية ومضافاتها والأملاك الموقوفة عليها تعتبر وقفا عاما بقوة القانون على عامة المسلمين، وأيضا مانصت عليه المادة المادة 43  من أن مايرتبه الموقوف عليه لفائدة العقار الموقوف مما من شأنه أيزيد في قيمته يعتبر وقفا هو الآخر، ففي كلا المثالين تغيب إرادة الواقف تماما 

ثالثا: تميز الوقف عن غيره من التبرعات:

يعتبر الوقف من العقود المسماة بالإضافة إلى أنه عقد شكلي و تبرعي لذلك وجب تمييزه عن غيره من العقود التبرعية وسنقتصر على تمييزه على كل من الهبة و الوصية.

  1. تمييز الوقف عن الهبة:

     يتشابه الوقف مع الهبة لأنه لكل من الواقف و الواهب حرية هبة أو وقف ما شاء من أملاك سواء منقولات أو عقارات إلا أنهما يختلفان في الأمور التالية: 

- الهبة عقد يتم بتطابق الإيجاب والقبول بخلاف الوقف الذي ينعقد بالإرادة المنفردة للواقف، حيث القبول فيه شرط لنفاذ الوقف إذا كان خاصا أما إذا تخلف فإن ذلك لا يؤدي إلى البطلان وإنما يتحول الوقف الخاص إلى عام

- للموهوب له كامل الحرية في التصرف في الشيء الموهوب بخلاف الوقف الذي يخول للموقوف عليه حق الانتفاع فقط

- يستمد الوقف قوته القانونية من الشخصية المعنوية التي يتمتع بها، عكس الهبة التي تستمد قوتها القانونية من إرادة الطرفين "وكذا بالنسبة للوصية"

- تتحول الهبة في مرض الموت إلى وصية في حين لا وجود لهذا الحكم الصريح في الوقف

2 تمييز الوقف عن الوصية

إذا كان كل من الوقف والوصية تصرفان بالإرادة المنفردة يستلزم لقيامهما توفر الأركان الثلاثة الرضا المحل، السبب، إلا أنهما يختلفان في النقط التالية :  

- يجوز الرجوع في الوصية ما دام الموصي حيا، بخلاف الوقف الذي يشترط ذكر ذلك في العقد

- الوقف ينتج كل آثاره القانونية بمجرد توفر أركانه بخلاف الوصية التي ترتد إلى ما بعد الموت

- للواقف أن يحبس ما شاء بخلاف الوصية التي حددت في الثلث وما زاد عنه يتوقف على إجازة الورثة

- الوقف العام معفى من رسوم التسجيل والشهر العقاري وبالتالي فجميع التصرفات والعمليات وكذا الدخول المرتبطة بالوقف معفاة من كل ضريبة أو رسم أو أي اقتطاع ضريبي أخر يكون له طابع وطني أو محلي حسب المادة 151 من مدونة الأوقاف بخلاف الوصية.




الجزء الأول

في المقال التالي سنتحدث عن اركان الوقف

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال