مقدمة
تلعب مؤسسة النيابة العامة دورا فعال في حماية المجتمع والسهر على التطبيق السليم للقانون، وفي سبيل الوصول إلى ذلك خصها المشرع بمجموعة من الاختصاصات من قبيل تحريك الدعوة العمومية، والسهر على تنفيذ المقررات والأحكام الصادرة فيها.
وبما أن النيابة العامة هي التي تملك سلطة تحريك الدعوى العمومية – كمبدأ عام-وممارستها كلما تعلق الأمر بجريمة، وبالتالي فمتى ارتكبت جريمة تمس العقار تتدخل لتمارس سلطتها هاته. والجرائم التي تمس العقار منها ما ينصب على بنية العقار كجرائم إحراق أو تخريب أو هدم أو إتلاف العقار، ومنها ما يمس الحيازة؛ كجريمة انتزاع عقار من حيازة الغير وجرائم انتهاك حرمة المنزل التي نظمها المشرع في القانون الجنائي . ومادامت النيابة العامة في الجرائم التي تمس بنية العقار تمارس فقط اختصاصها الأصيل المتمثل في تحريك الدعوى العمومية وممارستها، فإنه عندما يتعلق الأمر بالجرائم التي تمس الحيازة فقد خصها المشرع ببعض الخصوصية عندما منح للنيابة العامة إمكانية التدخل والأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه وذلك وفق شروط محددة في قانون المسطرة الجنائية.
كما أن المشرع المغربي منح بعض الصلاحيات للنيابة العامة لتدخل في القضايا المدنية بموجب الفصول من 6 إلى 10 من قانون المسطرة المدنية، حيث من الممكن أن تنصب بعض النزاعات المتعلقة بالأطراف الواردة تعدادهم في الفصل 9 من ق. م. م والمبلغة إلى النيابة العامة على عقار، وهنا من الممكن أن تتدخل النيابة العامة في الدعوى كطرف منضم لتقدم ملتمساتها دون الحق لها في الطعن، والحقيقة أن الخوض في هذا الموضوع سيجرنا إلى نقاشات طويلة و مستفيضة لا يسعها عرض واحد، لذا ارتأينا التركيز فقط على دور هذه الأخيرة في جريمة انتزاع الحيازة لما لهذا الدور من خصوصية مهمة تحثنا على التركيز عليها.
وبالإضافة إلى تدخل النيابة في حالة جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير، فإن النيابة العامة لها أن تتدخل كذلك في إجراءات التحفيظ، حيث أن طبيعة التحفيظ التي تنصب أساسا على العقار قد تثار بخصوصها نزاعات تحتاج تدخل النيابة العامة للحفاظ على الأمن واستقرار الأوضاع الاجتماعية أثناء جريان القيام بهاته الاجراءات.
ولهذا فإن المشرع مكن النيابة العامة من أدوار مهمة أثناء جريان إجراءات التحفيظ والتي تجد أساسها القانوني في ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بالقانون14.07 ، وكذا القرار الوزيري المتعلق بتطبيق نظام التحفيظ العقاري و الذي نسخت بعض مقتضياته بمقتضى مرسوم 14 يوليو 2014 في شأن إجراءات التحفيظ العقاري.
وإذا كان المشرع المغربي قد خص النيابة العامة بهذه الأدوار الخاصة إيمانا منه بحساسية العقار وخطورته كركيزة أساسية في الاستثمار، فما مدى فعالية تدخل النيابة العامة في حماية العقار؟
وللإجابة على التساؤل المطروح ارتأينا إلى تقسيم الموضوع على الشكل الآتي:
المبحث الأول: مظاهر تدخل النيابة العامة في جريمة انتزاع العقار
المبحث الثاني: مظاهر تدخل النيابة العامة في إجراءات التحفظ العقاري
المبحث الأول: مظاهر تدخل النيابة العامة في جريمة انتزاع العقار
يعتبر تحريك وممارسة الدعوى العمومية الاختصاص الأصيل لنيابة العامة، إلا أن المشرع المغربي وإيمانا منه بخطورة النزاعات العقارية سمح للنيابة العامة لتدخل بإرجاع الحالة حالة ارتكاب جريمة انتزاع عقار، لذا سنحاول من خلال هذا المبحث أن نتطرق لشروط تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة (المطلب الأول)، لنتطرق بعد ذلك للدور الرقابي للقضاء على أمر النيابة العامة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: شروط تدخل النيابة العامة
حتى تستطيع النيابة العامة التدخل لحماية الحيازة في إطار المواد 40 و49 من ق. م. ج، لابد من وجود اعتداء على الحيازة بعد تنفيذ حكم (الفقرة الأولى)، كما أن تدخل هذه الأخيرة هو أمر خاضع لسلطة الملائمة المخولة لها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الاعتداء على الحيازة بعد تنفيذ الحكم
نصت الفقرة الثامنة من المادة 40 من ق م ج المتعلقة بوكيل الملك والفقرة الحادية عشر من المادة 49 من ق م ج الخاصة بالوكيل العام للملك على ما يلي: " يجوز له، -أي لوكيل الملك أو الوكيل العام للملك حسب الحالة-، إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ حكم، أن يأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي يراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، على أن يعرض هذا الأمر على المحكمة أو هيئة التحقيق التي رفعت إليها القضية أو التي سترفع إليها خلال ثلاثة أيام على الأكثر لتأييده أو تعديله أو إلغائه".
فالذي يظهر من خلال هذه الفقرة أن المشرع أتاح لوكيل الملك أو الوكيل العام للملك التدخل لحماية الحيازة شريطة وجود انتزاع للحيازة بعد تنفيذ حكم قضى للمتضرر أو المجني عليه بحيازة أو تملك عقار ما.
وبالتالي فمتى تم الانتزاع وثبت تنفيذ الحكم، سواء أكان هذا الحكم جنحي صادر في إطار الدعوى العمومية تطبيقا للفصل 570 من ق ج، أو دعوى مدنية وتم تنفيذه كدعوى استرداد الحيازة مثلا، ويستوي في ذلك أن يكون الحكم صادر عن قضاء عادي أو قضاء استثنائي، فمتى كان ذلك قد تم تنفيذه وجاء انتزاع الحيازة بعد ذلك يصبح اختصاص النيابة العامة بحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قائما.
ويجب أن نشير إلى أن قراءة ما جاء به المشرع في المواد 40 و49 من ق. م. ج بصيغة المخالفة توحي لنا بأن الحكم حتى وإن كان حائزا لقوة الشيء المقضي به وغير منفذ فلا يحق لنيابة العامة أن تتدخل لإصدار أمر بإجراء تحفظي أو إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، بمعنى أنه يجب توفر محضر تنفيذ الحكم يثبت تنفيذ الحكم للمحكوم له.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن شرح قانون المسطرة الجنائية الذي أصدرته الوزارة قد حصر تطبيق هذا النص فقط في الحالة التي يعود المحكوم عليه لانتزاع الحيازة من جديد بعد تنفيذ الحكم، إذ لا جدوى لتركه ينعم بحيازة سبق للقضاء أن جرده منها، وبالتالي حرمان الحائز الشرعي منها وهو الذي تسلم تلك الحيازة بمقتضى حكم قضائي نفذته السلطات المخصصة بالتنفيذ.
إلا أن هذا الشرح لا يجسد الحقيقة، نظرا لأن الواقع العملي يعطي لنيابة العامة أن تتدخل متى توفر حكم قضائي يثبت الحيازة للطرف المشتكي. أما الحالة التي تحدث عنها شراح ق م ج فإن النيابة العامة على المستوى العملي تتابع فيها الجاني في حالة اعتقال غالبا مع مراعات الحالات دائما في إطار سلطة الملائمة لنيابة العامة.
كما تجدر الإشارة إلى أن المشرع المصري و خلافا لنظيره المغربي قد وسع من نطاق تدخل النيابة العامة عندما يقع انتزاع الحيازة حيث خولها صلاحية التدخل و الأمر بالقيام بأي إجراء تحفظي لحماية الحيازة بما في ذلك إرجاع الحالة لما كانت عليه، و ذلك كلما توفر لديها الدلائل الكافية على جدية الاتهام دون أن يقيد ذلك بوجود حكم تم تنفيذه، حيث جاء في المادة 373 مكرر من قانون العقوبات المصري ما يلي:" ... يجوز للنيابة العامة متى قامت الدلائل الكافية على جدية الاتهام ... أن تأمر باتخاذ إجراء تحفظي لحماية الحيازة ..."، و رغم أن هذه المادة قد تم حذفها من قانون العقوبات المصري بموجب المادة 11 من القانون رقم 23 لسنة 1992 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 22 في 10/06/1992 الذي عدل و تمم قانون العقوبات المصري لسنة 1958، فإنه قد تم تعويضها بالمادة 44 مكرر من قانون المرافعات المدنية و التجارية المصري و التي احتفظت في هذا الإطار بنفس مفهوم المادة 373 مكرر.
ولم يفوت الفقه الفرصة حيث أنتقد توجه المشرع المغربي بخصوص ضرورة وجود حكم منفذ، حيث اعتبر أحد الباحثين أن فرض وجود حكم حتى تتدخل النيابة العامة فيه تقييد غير مبرر لسلطة هذه الأخيرة، و هو نفس الرأي الذي أبداه باحث آخر معتبرا أن أغلب الاعتداءات تتم قبل تنفيذ الحكم، و في نفس السياق نجد أحد الباحثين يستغرب من عدم منح هذه الصلاحية للنيابة العامة إلا بعد تنفيذ الحكم خصوصا و أن المشتكي قد يتوفر على حجج و أسانيد ظاهرة كنظير الرسم العقاري.
ونحن بدورنا نؤيد ما ذهب إليه المشرع المصري، حيث أن تقييد سلطة النيابة العامة في إصدار الأمر حتى يوجد حكم منفذ قد يؤدي إلى ضياع حقوق كان من الممكن حمايتها، حيث أنه من الممكن أن يتوفر المشتكي على أسانيد قوية تعزز حيازته كالرسم العقاري مثلا، كما أن القول بأن الهدف من منع تدخل النيابة العامة قبل صدور الحكم هو الخوف من التأثير على المراكز القانونية و تغييرها، لهو قول مردود في نظرنا، نظرا لأن المشرع قد ألزم النيابة العامة ممثلة في وكيل الملك أو الوكيل العام للملك حسب الحالة بإحالة أمرها على المحكمة أو قاضي التحقيق حتى تفرض رقابتها عليه، أي أنه في جميع الأحوال لها أن تلغيه أو تعدله كلما تبين لها ضرورة ذلك، إضافة إلى أن هذه المراكز القانونية من شأنها أن تتغير حتى مع وجود حكم سبق تنفيذه، حيث أن للمحكمة أثناء النظر في الدعوى كلما تبت لها أحقية المتهم في الحيازة أن ترجع له هاته الحيازة و بالتالي فإن هذا فيه تغيير جديد للمراكز.
وهذا الرأي نفسه هو الذي تقاسمه معنا الاستاد عبد الكريم الخطابي نائب السيد وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتازة، حين اعتبر أنه في بعض الأحيان يكون المنتزع حيازته يتوفر على أدلة تثبت أحقيته في الحيازة إلا أن النيابة العامة لا تتوفر على السلطة لإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، و رجع ليؤكد لنا أنه في السابق قبل دخول ق م ج الجديد حيز النفاد كان بعض وكلاء الملك يرجعون الحيازة متى تبت لديهم أحقيت صاحبها بناء على المواد التي تعطي الأحقية لنيابة العامة برد الأشياء المحجوزة، حتى دون توفر حكم قضائي، نظرا لأن هذا التوجه كان يدخل في الأشياء المنقول و العقار، أما بعد صدور المواد 40 و 49 من ق م ج، فإن النيابة العامة لا تملك الصلاحية لإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه إذا لم يكن حكم قد تم تنفيذه.
الفقرة الثانية: ملائمة الأمر باتخاذ الإجراء التحفظي وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه
جاء في الفقرة 8 من المادة 40 والفقرة 11 من المادة 49 من ق.م.ج ما يلي: "يجوز له –أي لوكيل الملك أو للوكيل العام للملك حسب الحالة-..."، فمن خلال هذه الفقرات يظهر أن المشرع المغربي جعل اتخاذ النيابة العامة للأمر بإجراء تحفظي أو إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أمرا اختياريا موقوفا على سلطة الملائمة المكفولة لها، وهذا ما يفتح الباب واسعا أمام النيابة العامة لتغاضي على اتخاذ هذا الأمر، وهذا ما انتقده أحد الباحثين معتبرا أنه ما كان على المشرع أن يتيح للنيابة العامة هذه الإمكانية، خصوصا وأن المشرع المغربي استحضر وجود ضمانات قوية للأطراف تجنبا لانحراف سلطة الملائمة، وذلك عندما فرض وجود حكم منفذ.
وهذا التوجه الذي سلكه المشرع المغربي هو نفسه الذي كان يتبعه المشرع المصري بموجب المادة 373 مكرر من قانون العقوبات، حيث جاء في مستهلها: "يجوز..."، إلا أن هذا التوجه سرعان ما غيره المشرع المصري بموجب المادة 44 مكرر من قانون المرافعات المدنية والتجارية حيث جاء فيها: "يجب على النيابة العامة متى عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة مدنية كانت أو جنائية أن تصدر قرارا وقتيا مسبب واجب التنفيذ فورا بعد سماع أقوال أطراف النزاع واتخاذ إجراءات التحقيق اللازمة...".
ومعنى هذه المادة أن النيابة العامة تكون ملزمة كلما عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة أن تنظر في أمر اتخاذ إجراء وقتي أو تحفظي من عدمه، على عكس المشرع المغربي الذي لم يلزمه بذلك، مع الإشارة إلى أن المواد 40 و49 من ق م ج لم تلزم النيابة العامة بتعليل أمرها عكس ما فعل المشرع المصري في المادة 44 مكرر الذي ألزم بأن يكون قرارها مسبب كما هو واضح أعلاه.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي وإن كان قد ترك اتخاذ هذا الأمر من طرف النيابة جوازيا فإنه من الناحية العملية تقوم النيابة العامة بتعليل قرارها من باب العدل والانصراف، كما جاء على لسان أحد نواب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتازة.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي عند حديثه عن الإجراءات الواجب اتخاذها من قبل النيابة العامة استعمل العبارة الآتية: "يجوز له، ... أن يأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي يراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه...".
والحقيقة أن هذه العبارة تثير بعض اللبس، حيث تدفعنا للتساؤل هل قصد المشرع المغربي أن النيابة العامة تملك الخيار في القيام بأي إجراء تحفظي تراه ملائما لحماية الحيازة بما في ذلك إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه؟ أم أن المقصود بالقيام بأي إجراء تحفظي يرمي إلى إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه؟
وفي هذا الإطار ذهب أحد الباحثين إلى أن التفسير الأقرب إلى الصواب يؤدي إلى القول بأن النيابة العامة في جنحة الاعتداء على الحيازة تملك حق اتخاذ إجراءين معا في نفس الوقت أو اتخاذ أحدهما دون الآخر بحسب المتطلب انطلاقا من ظروف كل قضية على حدة.
كما ذهب باحث آخر إلى أنه يستحسن حذف عبارة تحفظي من الفقرتين معا –بالفصل 40 و49- لتصبح: "أن يأمر باتخاذ أي إجراء يراه ملائما لحماية الحيازة..."، لذلك كان على المشرع الاقتصار على تخويل النيابة حق اتخاذ ما تراه مناسبا من الإجراءات والتدابير لحماية الحيازة من غير حاجة إلى وصف الإجراء المذكور بكونه تحفظيا، لأن المعنى يستقيم بدون هذا الوصف سيما أن هذه الإجراءات تستهدف المحافظة على وضع قائم وتتسم بالسرعة والاستعجال ولا تغير من المركز القانوني للأطراف.
وفي نظرنا أن صياغة الفقرات 8 و11 من المواد 40 و49 من ق م ج تنطوي على خطأ مادي وقع فيه المشرع المغربي، ذلك أنه استعمل "واو" العطف والحالة أنه كان عليه أن يستعمل "أو" والتي تفيد الخيرة، وما يؤكد ذلك قطعا هو المطبوع النموذجي لوزارة العدل والذي يتم ملؤه من طرف وكيل الملك أو الوكيل العام للملك عندما يتخذ أمر بإجراء تحفظي لحماية الحيازة والمعنون كالآتي:
"أمر بإجراء تحفظي لحماية الحيازة أو إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه".
وفي هذا الإطار تجب الإشارة إلى انه من الناحية العملية فالنيابة العامة بتازة تقوم باتخاذ إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه دون باقي الإجراءات التحفظية الأخرى.
وتجدر الإشارة كذلك أن النيابة العامة يمكنها أن تتخذ الإجراء التحفظي الكفيل بحماية الحيازة كما يمكنها أيضا في نطاق المادة 41 من ق.ج وقبل ممارسة الدعوى العمومية أن تجري صلحا بين المتضرر والمشتكى به طالما أن مقتضيات الفصل 570 من ق.م.ج تتفق مع شروط الصلح المنصوص عليها في المادة 41 من ق م ج، حيث أنها لا تتجاوز فيها العقوبة الحبسية سنتين ولا يتجاوز الحد الأقصى للغرامة 5000 درهم، وهذا الصلح يتم وفق المسطرة المنصوص عليها في المادة 41 من ق.م.ج، ويجب أن نلفت نظركم إلى أن مسودة مشروع ق.م.ج اشترطت في المادة 1-41 لسلوك مسطرة الصلح أن يتعلق الأمر بجنحة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل وبغرامة لا تتجاوز حدها الأقصى 100000 درهم أو بإحدى العقوبتين، وبالتالي فإن المشرع وسع من نطاق هذه المادة لتشمل حتى الجنح المعاقب عليها بمبلغ أقصاه 100000 درهم رغبتا منه في ضمان فعالية أكبر لتفعيل الصلح نظرا لما له من إيجابيات سواء على المستوى القضائي أو الاجتماعي.
وفي الأخير نشير إلى أنه بالإضافة إلى إمكانية إجراء النيابة العامة للصلح قبل ممارسة الدعوى العمومية، فإنه يمكنها أثناء سير الدعوى أن تتقدم بملتمس إلى المحكمة المعروض عليها القضية في حال تنازل الطرف المتضرر من الفعل الجرمي عن شكايته، حيث يمكن للمحكمة بناء على هذا الملتمس أن توقف سير إجراءات الدعوى العمومية ما لم تكن قد بتت فيها بحكم نهائي طبقا للفقرة 1 من المادة 372 من ق.م.ج.
المطلب الثاني: مراقبة القضاء لأمر النيابة العامة
بعد أن تكتمل شروط تدخل النيابة العامة يأتي دور القضاء الذي كفل له المشرع صلاحية مراقبة هذه الأوامر، ولا يستطيع هذا الأخير أن يتدخل إلا بعد عرض أمر النيابة العامة عليه (الفقرة الأولى)، هذا العرض الذي يتيح له التدخل لممارسة سلطته الرقابية المخولة له قانونا (الفقرة الثانية).
الفقرة الأول: عرض الأمر على القضاء
من خلال قراءة الفقرات 8 و11 من المواد 40 و49 من ق.م.ج يظهر لنا أن المشرع قد ألزم كل من وكيل الملك أو الوكيل العام للملك أن يعرض أمره المتخذ بخصوص اتخاذ أي إجراء تحفظي أو إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه على قضاء الحكم أو قضاء التحقيق، حيث جاء في هذه الفقرات: "... على أن يعرض هذا الأمر على المحكمة أو هيئة التحقيق التي رفعت إليها القضية أو التي سترفع إليها خلال ثلاثة أيام على الأكثر لتأييده أو تعديله أو إلغائه".
ولذا فإن النيابة العامة مطالبة بعرض أمرها على الجهة القضائية المختصة بالنظر في القضية فقد تكون هذه الجهة هي المحكمة، إذا قررت النيابة العامة متابعة المشتبه فيه بالاعتداء على الحيازة، وقد يكون الملف قد أحيل على المحكمة وفي هذه الحالة فإن إحالة الشق المتعلق بإرجاع الحالة لا ينبغي أن ينتظر بت المحكمة في جوهر النزاع، سيما إذا كانت النيابة العامة قد عينت للقضية جلسة بعيدة التاريخ، بل ينبغي أن تلتمس النيابة العامة من المحكمة البت في هذا الشق، وقد تكون الإحالة تمت في إطار المسطرة الفورية المنصوص عليها في المادة 74 من ق.م.ج، وهنا يتعين على المحكمة أن تبت في هذا الشق، حتى ولو قررت تأخير النظر في الملف، وقد تكون النيابة العامة قد أخرت إحالة الملف لأسباب تتعلق بعدم إتمام البحث مثلا، أو لكون الشخص الذي انتزع الحيازة يوجد في حالة فرار، وفي هذه الحالة يمكن للنيابة العامة إذا توفرت شروط إرجاع الحالة أن تأمر بها وتحيل الأمر المذكور –مع نسخة من المحاضر- على هيئة المحكمة التي من المقرر أن ترفع إليها الدعوى العمومية بعد إتمام الأبحاث أو بعد إلقاء القبض على المعني بالأمر مثلا، وقد تتم إحالة الملف على قاضي التحقيق فإن أمر النيابة العامة بإرجاع الحالة يتعين أن يعرض على القاضي المذكور خلال نفس الأجل.
و من الناحية العملية فالنيابة العامة في المغرب بأسره تميز بين حالتين، الحالة التي يلتزم فيها المعتدي على الحيازة بأمر النيابة العامة ، فهنا النيابة العامة إذا لم يتأتى لها القيام بالصلح تتابعه في حالة صراح، أما الحالة التي يعارض فيها أمر النيابة العامة و يمنع تنفيذه، ففي هذه الحالة تتابعه النيابة العامة في حالة اعتقال.
وقد يتسائل البعض كيف لشخص أن يمنع تنفيذ أمر النيابة العامة وهي التي تملك السلطة في تسخير القوة العمومية؟
هنا يجب الاستاد عيد الكريم الخطابي على أن أغلب النزاعات تتم في البوادي، و في بعض الأحيان يكون النزاع بين قطعة أرضية بين قبلتين، و في هذه الحالة يصعب على النيابة العامة تنفيذ حكمها، لما قد يسفر عن ذلك من نزاعات بين رجال السلطة و القبيلة بأسرها، فهنا النيابة العامة حتى تحافظ على الأوضاع و تترك الحيازة للمعتدي و تتابعه في حالة اعتقال، و تنتظر حتى يصدر حكم في الدعوى و هنا تلجأ لتنفيذه بالقوة .
ويجب أن نشير إلى أن أحد الباحثين انتقد توجه المشرع الذي سمح للنيابة العامة بعرض أمرها على قاضي التحقيق، حيث اعتبر وضع قضاء الحكم مع قضاء التحقيق في نفس الرتبة مساواة لم يكن لها ما يبررها، ذلك أنه إذا كان من المنطقي أن تختص المحكمة بمراقبة عمل النيابة فإنه من غير المنطقي أن يختص قضاء التحقيق بهذه الرقابة، لأن عرض أمر النيابة العامة بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه على هيئة التحقيق يجافي القواعد العامة ويطيل المسطرة ذلك أن قاضي التحقيق في كثير من الحالات لا يتخذ إجراءا معينا إلا بعد أخذ رأي النيابة العامة ولها أن تستأنف كل أوامره ماعدا الأوامر الصادرة بإجراء خبرة وفق مقتضيات المادة 196 و222 من ق.م.ج، الأمر الذي يمكن معه للنيابة العامة أن تستأنف أمام الغرفة الجنحية الأمر الصادر عن هيئة التحقيق المعدل أو الملغي لأمر النيابة العامة.
والحقيقة أننا نختلف مع هذا الباحث في الشق الأول من انتقاده، حيث أن القول بأن الإحالة على قاضي التحقيق تخالف القواعد العامة هو مجرد من الأساس خصوصا إذا علمنا أن المادة 83 من ق.م.ج أعطت له الصلاحية بالتحقيق في الجنح بنص خاص من القانون، والمعلوم أن المادة 40 و49 من ق م ج تتحدث عن جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير وبالتالي فإن نص القانون متوفر ولا يتعارض مع القواعد العامة، وأما القول بأن قاضي التحقيق يأخذ رأي النيابة العامة، فلا نرى فيه ما يمنع، خصوصا أن المفروض في هذه الأجهزة أن تعمل في تناسق بينها، وهذا ما أكده لنا السيد نائب وكيل الملك الذي أقر لنا بأن من حق وكيل الملك أن يعين قاضي التحقيق بالاسم، حيث أن قضاة التحقيق هم بشر تختلف كفاءتهم ، وبالتالي فالممارسة العملية تستوجب على وكيل الملك أن يحيل الملف الصعب على قاضي التحقيق المتمرس والكفء، كما أن لهذا الأخير كلما رأى في الأمر ضرورة أن يطلب رأي وكيل الملك في القضية، لكن هذا لا يعني أن لأحد وصاية على الآخر بل كل يعمل في استقلال تام عن الآخر.
في ختام هذه الفقرة وجب أن نؤكد على أن النيابة العامة تكون ملزمة بإحالة أمرها على قضاء الحيازة –سواء قضاء الحكم أو التحقيق- داخل أجل 3 أيام، وهذا ما نصت عليه كل من الفقرتان 8 و11 من المواد 40 و 49 من ق م ج : "على أن يعرض هذا الأمر على المحكمة أو هيئة التحقيق التي رفعت إليها القضية أو سترفع إليها خلال ثلاثة أيام على الأكثر..."، وأجل ثلاثة أيام هو أجل كامل لا يشمل اليوم الأول ولا اليوم الأخير وإذا ما كان اليوم الأخير يوم عطلة امتد الأجل إلى أول يوم بعده، (المادة 750 من ق.م.ج)، لكن هذا لو لم ترفع النيابة العامة أمرها داخل هذا الأجل؟
في ظل سكوت المواد 40 و49 من ق م ج على هذا المقتضى يمكن الاستناد على المادة 751 من ق.م.ج التي تنص على ما يلي: "كل إجراء يأمر به هذا القانون ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني يعد كأنه لم ينجز"، وبالتالي ليس للنيابة العامة أن تصدر أمرا جديدا بعد سقوط الأمر الأول لأن الأجل أجل سقوط ما لم تطرأ على ظروف القضية معطيات جديدة، وهنا يثار تساءل آخر هل للمستفيد من الإجراء التحفظي المتخذ من قبل النيابة العامة وإذا ما لاحظ بأنها ستتراخى عن عرض الأمر على الجهة المختصة خلال اليوم الأخير من الأجل أن يبادر شخصيا إلى رفعه أمام قضاء الحيازة عله يؤيد الحكم الصادر لفائدته، يرى أحد الباحثين أنه ليس في القانون ما يمنع من ذلك طالما أن المقدم للطلب هدفه نفس الهدف الذي سعت إليه النيابة العامة عند اتخاذها قرار إصدار الأمر بإجراء تحفظي لحماية الحيازة.
وفي نفس الاتجاه يرى باحث آخر أنه برغم أن المشرع لم يمنح عرض الأمر بالإجراء التحفظي وإرجاع الوضع إلى حاله إلا للنيابة العامة دون المتضرر، إلا أنه وحفظا على حقوق هذا الأخير لا مانع من أن يتقدم بطلب من أجل النظر في الأمر الصادر عن النيابة العامة، مادام أن ذلك لا يتعلق سوى بعرض ذلك الأمر وليس اتخاذ الإجراء.
وبقي أن نشير فقط، إلى أن أحد الباحثين يرى أن إحالة الأمر على قضاء الحيازة للنظر فيه هو أمر غير موفق، حيث اعتبر أن هذا المقتضى كان تزيدا عن النص غير مبرر بشكل قوي طالما أن صلاحية النيابة العامة في إرجاع الحالة على ما كانت عليه في جنح الاعتداء على الحيازة واتخاذ الإجراء التحفظي لم ترد على سبيل الوجوب وإنما هي جوازية فقط، كما أنها مشروطة بوجود حكم منفذ وهذا الشرط في اعتقادنا كافي لوحده لإحاطة هذا الإجراء برمته بضمانات قوية لمصلحة الأطراف بحيث لا يخرج اختصاص النيابة العامة في هذا النطاق عن مجرد إقرار واقع تقرر بموجب حكم قضائي وتأكد بعد تنفيذه، ولا يمكن أن يبقى هذا الواقع مختلا بفعل آثار الجريمة.
الفقرة الثانية: سلطات قضاء الحيازة وميعاد اتخاذ القرار
بعد أن يعرض الأمر على هيئة الحكم أو قاضي التحقيق يبقى لهذه الأخيرة أن تتخذ في حقه ثلاث قرارات، إما التأييد أو التعديل أو الإلغاء، وهذا ما نصت عليه صراحة الفقرتان 8 و11 من المواد 40 و49 من ق م ج والتي جاء فيها: "... على أن يعرض هذا الأمر على المحكمة أو هيئة التحقيق... لتأييده أو تعديله أو إلغائه"، وبالتالي فإن سلطات القضاء أو قاضي التحقيق لا يمكنها أن تخرج عن هذه السلطات، ولعل هدف المشرع من بسط هذه الرقابة على الإجراءات التي تتخذها النيابة العامة هو عدم ترك ذلك بين يدي النيابة العامة لوحدها احترازا من الحالات التي يحصل فيها بعض الأشخاص على أحكام تحايلا على القانون وبوسائل إثبات صورية، والحصول على حكم في غيبة الأطراف أو دون استنفاذ إجراءات تبليغه.
وإذا كان المشرع المغربي قد سمح لقضاء الحكم أو التحقيق لمراقبة أمر النيابة العامة إلا انه لم يقيدهم بمدة تلزمهم للبت في هذا الأمر، وهذا على خلاف ما فعل المشرع المصري في المادة 373 مكرر من قانون العقوبات التي ألزم قضاء الحيازة بالنظر في هذا الأمر داخل أجل 3 أيام من عرضه عليه، حيث جاء في هذه المادة ما نصه: "... على أن يعرض هذا الأمر خلال ثلاثة أيام على القاضي الجزئي المختص لإصدار قرار مسبب خلال ثلاثة أيام على الأكثر بتأييده أو بتعديله أو بإلغائه".
ولعل العلة وراء عدم تحديد المشرع المغربي الأجل من أجل النظر في الأمر الصادر عن النيابة العامة هو رغبته في إعطاء الوقت الكافي لهذا القضاء لاتخاذ القرار المناسب، وبالتالي فإن أجل النظر في هذا الأمر يبقى خاضعا لسلطة التقديرية للقضاء، أي إذا ثبت لها أن صحة الأمر فإنها تتدخل لتؤيده فورا، أما إذا إختلج قناعتها الشك فإن النيابة من الممكن أن تبقي الأمر مرهونا على البت في موضوع الدعوى، أي إلى حين إصدار حكم نهائي في موضوع الدعوى.
و هنا يجب أن نشير إلى أن المحكمة الابتدائية في تازة لا تنظر فيه إلى مع النظر في الدعوى غالبا.
لكن السؤال الذي يطرح هنا، هل أن صدور الأمر من قبل النيابة العامة ينفذ فورا أم يبقى معلقا على صدور قرار قضاء الحيازة؟ وهل وجب أن يكون الحكم معللا أم لا؟
بخصوص التساؤل الأول نشير إلى أن المشرع المغربي لم يجب على هذا التساؤل، في حين أن شرح قانون المسطرة الجنائية المعتمد من قبل الوزارة اعتبر أن أمر تنفيذ الحكم فورا هو أمر بديهي، لا يوجد ما يمنعه، إلا أنه يستحسن أن ينتظر رأي هيئة الحكم، ولأهمية هذا الرأي ارتأينا عرضه كالآتي: "وبديهي أن أمر وكيل الملك يقبل التنفيذ الفوري، ويمكنه أن يطرح تنفيذه بواسطة القوة العمومية فور صدوره وقبل إحالة الموضوع على هيئة الحكم أو هيئة التحقيق، ولكننا نعتقد أنه يتعين على وكيل الملك أن يسعى –كلما كان ذلك ممكنا- إلى استقراء رأي هيئة الحكم أو هيئة التحقيق، بشأن الأمر الصادر عنه بإرجاع الحالة قبل تنفيذه، فيعمل على عرض الأمر عليها فور صدوره عنه وقبل تنفيذه، وذلك تلافيا للسلبيات التي قد تنشأ عن القرار المخالف الذي قد تتخذه إحدى الهيئتين المذكورتين (التحقيق أو الحكم)، مما سيؤدي إلى سلب الحيازة من جديد من الشخص الذي سلمت إليه منذ يومين أو ثلاثة فقط، وهو ما سيضر بسمعة العدالة ومصداقيتها بدلا من إرجاع الثقة فيها.
أما بخصوص السؤال الثاني فإن المشرع المغربي لم يجب عنه كذلك، إلا أن المشرع المصري سواء في المادة 373 مكرر من قانون العقوبات المصرية، أو في المادة 44 مكرر من قانون المرافعات المدنية والتجارية اشترط أن يكون هذا القرار مسببا، وهو نفس التوجه الذي أكد بعض الفقه، حيث نجد أحد الباحثات تؤكد على ضرورة أن يكون الأمر الصادر عن القضاء معللا تعليلا كافيا من الناحية القانونية والواقعية لأن عين التعليل من أسباب الطعن في الأحكام أمام جهة قضائية أعلى.
وفي نفس الاتجاه أكد أحد الباحثين أنه إذا كان مستساغا ألا تعلل النيابة العامة أمرها باتخاذ الإجراء التحفظي وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، لكونها غير مختصة بالفصل في النزاع الذي توجد وثائق ملفه أمام القضاء، وكون إجراءاتها وقتية، فإنه من غير المستساغ قانونا أن يصدر قرار هيئة الحكم أو التحقيق غير معلل، وهي تؤيد أو تلغي أو تعدل أمر النيابة العامة المعروض عليها، وذلك حتى تتاح الفرصة لدفاع أطراف النزاع لممارسة حقوق موكيلهم في الطعن، وأيضا تماشيا مع التطبيق السليم للقواعد العامة في المادتين 364 و370 ق.م.ج.
بقي أن نتساءل في ختام هذه الفقرة هل من الممكن الطعن في القرار أو الأمر الصادر عن قضاء الحيازة؟
المشرع المغربي لم يجبنا على هذا السؤال، في حين أن المشرع المصري أجاز هذا الطعن للأطراف بموجب المادة 44 مكرر من قانون المرافعات المدنية والتجارية لكن في صيغة تظلم يرفع إلى قاضي المستعجلات، وجاء في هذه المادة ما نصه: "... وفي جميع الأحيان يكون التظلم من هذا القرار لكل ذي شأن أمام القاضي المختص بالأمور المستعجلة بدعوى ترفع بالإجراءات المعتادة في ميعاد خمسة عشر يوما من يوم إعلانه بالقرار وبحكم القاضي في التظلم بحكم وقتي بتأييد القرار أو تعديله أو إلغائه وله بناء على طلب المتظلم أن يوقف تنفيذ القرار المتظلم منه إلى أن يفصل في الظلم".
وفي هذا الاتجاه نجد أحد الباحثين يميز في إمكانية الطعن في فرضيتين، الأول عندما يتعلق الأمر بالأمر الصادر عن قاضي التحقيق فاعتبره أنه قابلا للطعن أمام الغرفة الجنحية، باستثناء أوامره المتعلقة بالخبرة طبقا لمقتضيات المادة 222 ق.م.ج، أما بالنسبة لقضاء الموضوع، وهو الفرض الثاني، فيجب التمييز بين حالة بته في أمر النيابة العامة في آن واحد بصفة كلية وشاملة لهما معا، فإن الطعن ينصب على الحكم برمته سواء من طرف النيابة العامة نفسها أو الأطراف، ومن حالة بت قاضي الموضوع في ذلك الأمر بصفة مستقلة عن موضوع الدعوى، فإن كان المشرع لم ينظم طرق للطعن فيه، مما يمكن القول معه أنه لا إمكانية لممارسة ذلك الطعن رغم كون المشرع لم يستبعده صراحة، خصوصا وأن الأمر يتعلق بإجراء وقتي ربما القول بالطعن فيه سيزيد من كثرة الإجراءات، وإثقال كاهل القضاء، مادام الأمر سينتهي حتما بإصدار حكم في النزاع ككل.
وفي نفس الاتجاه أكد أحد الباحثين أن الطعن في الأمر بصفة مستقلة عن موضوع الدعوى أمر مستبعد، فرغم أن المشرع المغربي لم يستبعد هذا الطعن صراحة فلا وجه لاستبعاده كما فعل بالنسبة للمحضر لصالح المنصوص عليه في المادة 41 من ق.م.ج، لأن عدم الطعن هنا يكفي السكوت عنه.
المبحث الثاني: مظاهر تدخل النيابة العامة في إجراءات التحفيظ العقاري
إذا كانت مسطرة التحفيظ مسطرة إدارية في الأصل حيث تبتدئ بتقديم مطلب التحفيظ لدى المحافظة العقارية، وتنتهي بتأسيس المحافظ للرسم العقاري بعد استنفاذه لمختلف الإجراءات المسطرية المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بالقانون 14.07، إلا أنه قد تتخلل هذه المسطرة الإدارية مرحلة قضائية وذلك في حالة تسجيل تعرضات على مطلب التحفيظ، حيث يقوم المحافظ إذا تعذر عليه إجراء صلح بين الأطراف بإحالة الملف على القضاء، غير أنها ليست الحالة الوحيدة التي يتدخل فيها القضاء في مسطرة التحفيظ، بل هناك حالات أخرى يتدخل فيها القضاء رغم بقاء المسطرة إدارية، ويتعلق الأمر بتدخل جهاز النيابة العامة في مسطرة التحفيظ، وذلك بهدف حماية الملكية العقارية وضمان الاستقرار الاجتماعي وحفظ النظام العام، وتتجلى مظاهر تدخل النيابة العامة في مسطرة التحفيظ في العديد من الحالات سنحاول إبرازها من خلال تطرق للدور الحمائي للنيابة العامة أثناء مسطرة التحفيظ (المطلب الأول) ثم على مستوى دورها الإداري في هذا الشأن (المطلب الثاني)
المطلب الأول: الدور الحمائي للنيابة العامة أثناء مسطرة التحفيظ
فكما سبق القول أن النيابة العامة تتدخل في مسطرة التحفيظ في مرحلتها الإدارية وذلك إما من خلال تقديمها للتعرض لفائدة أشخاص محددين (الفقرة الأولى) ناهيك عن توفير الحماية اللازمة للقيام بمسطرة التحفيظ بصفة عامة وللقيام بعملية التحديد بصفة خاصة (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: دور النيابة العامة من خلال حماية حقوق الأغيار
يتجلى دور النيابة العامة في حماية حقوق الأغيار من خلال صلاحياتها في ممارسة التعرض باسم الغير (أولا) وكذا النيابة عن بعض الأشخاص في تقييد حقوقهم في الرسم العقاري (تانيا).
أولا: التعرض الممارس من طرف النيابة العامة
إذا كان الأصل هو قيام كل شخص بمباشرة حقوقه والدفاع عنها بنفسه، فإنه لا مانع في القانون من ممارسة التعرض بواسطة الغير، ومن ضمن هذا الغير نجد النيابة العامة، التي ينعقد لها الاختصاص في حالات حددها الفصل 26 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 14.07، وذلك للإنابة عن الغير في تقديم التعرض، حيث نصت الفقرة الثانية من هذا الفصل على أنه " يمكن في جميع الأحوال على شرط أن تقدم الإثباتات المنصوص عليها سابقا، التدخل في المسطرة عن طريق التعرض باسم المحجورين والغائبين والمفقودين وغير الحاضرين، وذلك من طرف الأوصياء والممثلين الشرعيين ووكيل الملك والقاضي المكلف بشؤون القاصرين والقيم على أموال الغائبين والمفقودين "
وبالإمعان في هذا النص يتضح أن النيابة العامة يمكنها التدخل عن طريق التعرض على مطلب التحفيظ باسم الأشخاص المحجورين والغائبين والمفقودين وغير الحاضرين، ولا يخفى ما لمثل هذه الصلاحية من فائدة في حماية حقوق هؤلاء جميعا من المفاجأة برسوم عقارية نهائية قابلة للطعن تقضي على حقوقهم بدون رجعة.
غير أنه بالرجوع إلى الفقرة الأولى من الفصل 26 السالف الذكر نجد أن المشرع قد قيد تدخل الغير لممارسة التعرض ببعض الشروط ويتعلق الأمر أساسا بإثبات الهوية وكذا تبرير تدخله بالوثائق الصحيحة وبالبيانات المتعلقة بالمنوبكما هي محددة في ظهير التحفيظ العقاري الذي عدل وتمم بقانون 14.07.
ويبقى التساؤل المطروح، هل تقديم وكيل الملك للتعرض نيابة عن أحد الأشخاص الوارد تعدادهم في الفصل 26 من القانون السالف الذكر يوجب عليه احترام الشروط المذكورة أعلاه؟ بصيغة أخرى هل يطلب من وكيل الملك إثبات هويته والإدلاء بالوثائق والبيانات، شأنه في ذلك شأن أي متعرض أخر من الغير؟
إن لإجابة عن هذا التساؤل عرف اختلافا على مستوى الآراء بين من يعتبر أن النيابة العامة شأنها شأن باقي أي متعرض تخضع لهذه الشروط، وبين من يرى أن النيابة العامة تستثنى من التقيد بها نظرا لدورها الحمائي الذي تهدف إليه.
فقد ذهب الرأي الأول على أنه كلما تعلق الأمر بتعرض نيابة عن القاصر أو ناقص الأهلية أو الغائب وجب الإدلاء بتلك البيانات، واعتبر أن المشرع لم يميز في ذلك بين الأب أو الوصي أو المقدم أو وكيل الملك، وهكذا فالجميع ملزم بإثبات هويته وأن يدلي بالوثائق المذكورة.
وهذا ما ذهب إليه محمد خيري، حيث اعتبر أن التعرضات نيابة عن القاصرين وفاقدي الأهلية وناقصيها وعن الغائبين وعن المفقودين وذلك من طرف ممثليهم القانونين وجب أن تقدم شريطة أن يثبت كل هؤلاء نيابتهم القانونية أو وكالتهم.
وفي مقابل ذلك هناك رأي مخالف ذهب إلى أن وكيل الملك يستثنى من التقيد بهذه الشروط، وأن الشرط المتعلق بإثبات الهوية هو شرط غير وارد لما يكون التعرض بتدخل من النيابة العامة، لأن هذه الأخيرة تمارس التعرض لفائدة المحجورين والغائبين وغير الحاضرين حماية لحقوقهم ولمصالحهم.
أما العمل القضائي فقد أعفى المتعرض باسم الغير من الإدلاء بالوكالة وإثبات الهوية واعتبر في قرار صادر عن محكمة النقض أن هذا الإجراء هو بمثابة عمل نافع لمن تدخل لفائدته، وهذا الأمر يعني إعفاء النيابة العامة من هذه الإجراءات والشروط التي تنص على إثبات الهوية، طالما أن صفتها مستمدة من القانون باعتبارها الجهة الساهرة على تطبيق القانون وحفظ النظام العام، وبالتالي لا يتصور مطالبتها بإثبات هويتها.
غير أنه إذا كانت النيابة العامة معفية من إثبات هويتها فإنها تبقى ملزمة بالإدلاء بالحجج والوثائق المؤيدة للتعرض خلال الأجل المنصوص عليه في الفصل 25 من قانون التحفيظ العقاري وذلك قبل انصرام الشهر الموالي الانتهاء أجل التعرض وإلا اعتبر التعرض لاغيا وكأن لم يكن طبقا للفصل 32 من نفس القانون.
تانيا: تقييد حقوق القاصرين من طرف النيابة العامة
فكما هو معلوم أن العقار الذي يؤسس بشأنه رسم عقاري يصبح خاضعا لإجراءات التقييد، بحيث تصبح جميع التصرفات المتعلقة بالعقار المحفظ واجبة الإشهار، فالحق الذي يتم تقييده يصبح موجودا وثابتا، والحق الذي لم يتم تقييده يبقى مؤرجحا بين الوجود والانعدام إلى أن يتم تقييده بالرسم العقاري.
ونظرا لعدم توفر القاصرين والمحجورين على الأهلية القانونية لمباشرة حقوقهم بأنفسهم، فقد أوكل المشرع هذا الدور للنيابة العامة عندما نص في الفصل 78 من ظهير التحفيظ العقاري على أن حقوق القاصرين والمحجورين تقيد بطلب من نوابهم الشرعيين او الأوصياء عليهم وإلا بطلب من القاضي المكلف بشؤون القاصرين أو وكيل الملك.
ويلاحظ من خلال صياغة الفصل المذكور أن النيابة العامة يمكن لها تقديم طلب تقييد حقوق القاصرين والمحجورين بالسجلات العقارية، إلا أن هذا الدور الممنوح لجهاز النيابة العامة والذي يهدف إلى حماية الحقوق المكتسبة لهؤلاء الأشخاص إنما جاء على سبيل الاحتياط فقط، وذلك متى تقاعس نوابهم الشرعيين أو الأوصياء عليهم عن القيام بهذا الدور، بالتالي إذا كان المشرع قد عني بحقوق القاصرين بالسجلات العقارية من طرف النيابة العامة في حالة تقصير الأوصياء عليهم أو نوابهم الشرعيين في طلب تقييد حقوقهم، فالتساؤل المطروح يتعلق بمأل حقوق القاصرين المكتسبة على العقارات في طور التحفيظ؟
فبخصوص هذه الحالة نجد أحد الباحثين ذهب إلى اعتبار الفصل 78 السالف الذكر يستوجب ضمنيا الحقوق المكتسبة من طرف القاصرين على العقارات في طور التحفيظ رغم سكوت المشرع عن هذه الحالة وعدم الإشارة إليها بشكل صريح، معززا رأيه بكون المشرع مادام قد منح الحق للنيابة العامة بتقديم التعرض باسم المحجورين والقاصرين وهو مجرد ادعاء فمن باب أولى أن يكون لها صلاحية حماية الحقوق المكتسبة للقاصرين على العقارات في طور التحفيظ والتي عادة ما تكون بناء على رسوم ومستندات.
وبالتالي استنادا إلى لهذا الرأي يمكن القول على إمكانية تدخل النيابة العامة قصد حماية حقوق القاصرين والمحجورين عن طريق الإيداع طبقا للفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري، أو عن طريق الحلول محل طالب التحفيظ من خلال الفصل 83 من نفس القانون.
الفقرة الثانية: دور النيابة العامة في تنظيم عملية التحديد
تعتبر عملية التحديد الطبوغرافي للعقار موضوع مطلب التحفيظ عملية تقنية بالأساس يقوم بها المهندس المساح الذي ينتمي إلى هيئة المهندسين الطبوغرافيين، وهو ما نص عليه الفصل 19 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 14.07، الذي جعل المحافظ على الأملاك العقارية الجهة المخول لها تسيير عملية التحديد وينتدب لهذه الغاية مهندسا مساحا طبوغرافيا محلفا من جهاز المسح العقاري وتتجلى أهمية هذه العملية في تحديد ومعاينة العقار ولأخد مقاييس اللازمة وكذا معرفة حدوده ومشتملاته بهدف وضع تصميم مدقق عن الوضعية المادية للعقار كما تمكن المحافظ من التعرف على الوضعية القانونية للعقار.
وبالرجوع إلى الواقع العملي نجد أن عمليات التحديد التي يسيرها المهندس بعد خروجه إلى عين المكان قد تمر في ظروف أمنة وهادئة في بعض الأحيان، بحيث يقوم المهندس بعد استفساره للحاضرين في هذه العملية والمستدعون من طرف المحافظ ويتعلق الأمر بالأشخاص المحددة في الفصل 19 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 14.07، وذلك بتحرير محضر بانتهاء التحديد مشيراُ فيه إلى النقط المحددة في الفصل 20 من نفس القانون.
إلا أنه في مقابل هذه الحالة قد تواجه المهندس الطبوغرافي عدة عراقيل تعطله عن القيام بمهمته على أكمل وجه، كأن يلجأ البعض إلى عرقلة عملية التحديد بدل اللجوء إلى ممارسة حقهم في التعرض والتصريح بحقوقهم بحيث يمارسون ضغوطات في عين المكان ويمنعون المهندس من وضع الأنصاب ومن إجراء أي تحديد، وقد يصل الأمر إلى درجة التهديد.
واستنادا إلى مقتضيات الفصل 20 من القانون السالف الذكر، نجد أن المشرع خول للمحافظ على الأملاك العقارية أو كل من له مصلحة في إنجاز عملية التحديد كطالب التحفيظ أو المتعرض على مطلب التحفيظ، تقديم طلب إلى السيد وكيل الملك قصد تسخير القوة العمومية بهدف توفير الظروف الملائمة الإجراء هذه العملية، ويعتبر هذا الأمر من أهم المستجدات التي جاء بها قانون 14.07.
وبالتالي يفهم على أنه يحق للمحافظ كلما تعذر على المهندس الطبوغرافي إجراء مهمته التي عهد له بها، أو كل من يهمه الأمر أن يقدم طلب إلى وكيل الملك يطلب منه تسخير القوة العمومية حتى يتسن القيام بهذا الإجراء في أحسن الظروف.
غير انه في الواقع العملي غالبا ما يلجأ المعني بالأمر إذا ما أراد تقديم طلب من أجل تسخير القوة العمومية إلى المحافظ على الأملاك العقارية يطلب منه مراسلة وكيل الملك بخصوص هذا الأمر.
المطلب الثاني: الدور الإداري للنيابة العامة
تمارس النيابة العامة دورا مهما يهدف إلى حماية حقوق الأطراف، ويتعلق الأمر بالدور الإداري باعتبارها جهة إدارية ترسل إليها المخابرات المتعلقة بالأشخاص الذين لا يتوفرون على موطن للمخابرة، بحيث أن مكتب النيابة العامة له دور في مسطرة التبليغ المتعلقة بمسطرة التحفيظ العقاري، إذ يعتبر موطن لمن لا موطن له (الفقرة الأولى)، كما يعتبر جهة إدارية تتولى تسيير مكتب المساعدة القضائية الذي يعتبر إجراء من الإجراءات التي نجد لها تطبيق في مسطرة التحفيظ خاصة في مرحلة التعرضات (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: دور النيابة العامة في مسطرة التبليغ
يعتبر التبليغ إلى الشخص من أهم الضمانات القانونية التي قد تتحقق معها علة الإجراءات إذ يقوم على عدم جواز اتخاذ أي إجراء ضد شخص دون تمكينه من العلم به وإعطائه الفرصة للدفاع عن نفسه.
ويتكون التبليغ من ثلاث عناصر، عنصر الأشخاص المبلغ لهم، وعنصر الآجال بالإضافة إلى عنصر المكان الذي يجب أن يتم فيه التبليغ، وبخصوص هذا الأخير وبالرجوع إلى ظهير التحفيظ العقاري نجده قد ألزم طالب التحفيظ وكذا المتدخلين في مسطرة التحفيظ أو في مسطرة التقييد اختيار موطن للمخابرة (أولا) وإلا يلزمون تلقائيا بمقر النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية التي يقع بدائرتها العقار كموطن قانوني للمخابرة ( ثانيا).
أولا، اختيار موطن للمخابرة
ألزم المشرع المغربي طالب التحفيظ بتعيين موطن للمخابرة معه بمقر المحافظة العقارية إذا لم يكن له موطن قار بدائرة المحافظة الموجود بها الملك، كما يجب على كل شخص يرغب في التدخل في مسطرة التحفيظ بموجب الفصل 84 من ظ.ت.ع وعلى كل متعرض أو طالب تقييد القيام بنفس الأمر.
ويستنتج من ذلك أن تعيين محل للمخابرة له أهمية كبيرة، والمتمثلة على الخصوص في تبليغ كل من يتدخل في مسطرة التحفيظ العقاري كما أنه يساهم في تأمين سير إجراءاتها والمضي بها قدما صوب تحقيق هدفه الأسمى وهو تحفيظ العقار وتأسيس رسم عقاري له يكون نهائيا وغير قابل للطعن.
كما يساهم التبليغ أيضا في تحيين الرسوم العقارية ومطابقتها مع الأوضاع المادية للعقارات والمراكز القانونية ولأصحاب الحقوق العينية المترتبة عنها.
ثانيا: النيابة العامة كموطن لمن لا موطن له
إذا كان المشرع من خلال الفصل 26 من القرار الوزيري قد ألزم كل متدخل في مسطرة التحفيظ، سواء كان طالب التحفيظ أو متعرض بأن يحدد موطن للمخابرة تابع لمقر المحافظة العقارية التي يوجد بها العقار موضوع مسطرة التحفيظ، فإنه اعتبر في مقابل ذلك أنه في حالة عدم تحديد هذا الموطن اعتبرت جميع المراسلات والتبليغات صحيحة، ومرتبة لكافة آثارها القانونية بمجرد وصولها إلى النيابة العامة التابع لها موقع العقار .
ويحمل الفصل 26 من القرار الوزيري العديد من الإيجابيات إذ أنه جعل مقر النيابة العامة محلا للمخابرات للمعني بالأمر من شأنه تسريع مسطرة التحفيظ وتجنب تعطيلها، خاصة في الحالة التي يتم فيها إغفال عنوان المخابرة، أو عدم تحيين مطالب التحفيظ الأمر الذي قد يترتب عنه نتائج خطيرة تتمثل في إلغاء مطلب التحفيظ أو إلغاء التعرض.
لدى أعطى المشرع هذه الإمكانية باعتبار النيابة العامة جهازا شريف هذفها الأسمى الدفاع عن المجتمع، حيث ستعمل في هذه الحالة على حماية حقوق هؤلاء الذين تعذر على المحافظ الحصول على عناوينهم.
إلا أنه ورغم الإيجابيات التي جاء بها الفصل 26 من القرار الوزيري فإن هذا المقتضي لا يحقق الغاية المرجوة منه، وذلك راجع إلى غموض الفصل في صياغته، الأمر الذي جعل أراء المحافظين تتنوع بين يرى بأن الجدوة من الفصل هو مراسلة مكتب وكيل الملك، وإخباره بأن المحافظة لم تتمكن من ربط الاتصال مع المعني بالأم، محددا أجل في الرسالة يؤدي تجاوزه دون متابعة المعني بالأمر للإجراءات، إلغاء الحق المطالب به .
وهناك من المحافظين من يعتبر أن مراسلة وكيل الملك وإخباره بعدم القدرة على ربط الاتصال بالمعني بالأمر، دون تحديد في المراسلة أجل معين للرد هو بيت القصيد، حيث أن الهدف من الفصل 26 هو توجيه الإنذار الذي تعذر توجيهه إلى المعني بالأمر.
وعليه فمن خلال ما سبق يظهر أن صياغة الفصل 26 أدت إلى إبعاد هذا المقتضى التشريعي من تحقيق ما هو متوخى منه.
لدى يمكن القول أن المشرع مادام أنه قد اختار مكتب النيابة العامة كمحل للمخابرة لمن لا محل له أو لمن أغفل تحديد العنوان، فإن الغاية من هذا الأمر تتجلى في حماية هؤلاء من القرارات التي يمكن أن يتخذها المحافظ وهم في غفلة من أمرهم، وبالتالي لا يعقل أن يكون الغرض الذي توخاه المشرع من خلال الفصل 26 هو توجيه الإنذار إلى مكتب النيابة العامة، والتي يجب أن تقوم بالبحث عن المعني بالأمر قصد إنذاره، وفي حالة عدم العثور عنه فالنيابة العامة يجب أن تتولى الدفاع عن حقوقه.
الفقرة الثانية: دور النيابة العامة في تسيير مكتب المساعدة القضائية
بالإضافة إلى الدور الحمائي الذي تلعبه النيابة العامة في التبليغ باعتبارها موطن لمن لا موطن له، فإنها تعتبر كذلك جهة إدارية تتولى تسيير مكتب المساعدة القضائية المنظم بمقتضى المرسوم الملكي لسنة 1966، حيث يعد بمثابة تدبير أقره المشرع لمصلحة المتداعين الذين لا تمكنهم حالتهم المادية من دفع نفقات الدعوى، بحيث يستطيعون بموجبه رفع هذه الدعوى والسير بها وإتمام جميع إجراءات التحقيق فيها حتى صدور الحكم وتبليغه والطعن فيه عند الاقتضاء، وتسخير محام يساعدهم في خصومتهم مجانا، دون إلزامهم بدفع الرسوم والنفقات المقررة في القانون أو من قبل المحكمة.
ويمكن منح المساعدة القضائية إلى الأشخاص والمؤسسات العمومية أو ذات المصلحة العمومية والجمعيات الخصوصية القائمة بعمل إسعافي والمتمتعة بالشخصية المدنية والجنسية المغربية.
ويرأس مكاتب المساعدة القضائية قضاة النيابة العامة التابعون لها ويقوم بمهام الكاتب فيها موظف من كتابة الضبط أو النيابة أو عون من النيابة العامة فيما يخصص المكتب المحدث لدى محكمة النقض.
وللاستفادة من المساعدة القضائية يتوجب على المتعرض أن يقدم طلبا إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية الواقع في دائرة نفوذها العقار موضوع مطلب التحفيظ. كما يجب أن يدعم طلبه بشهادة صحيحة من حيث الشكل يسلمها الباشا أو القائد تثبت عسر المعني بالأمر.
وفي حالة منح النيابة العامة إذن المساعدة القضائية للمستفيد فإن مفعول هذا الإذن يمتد إلى المرحلة الاستئنافية عندما يصبح المستفيد منها مستأنف عليهإذ يحق له رفع استئناف فرعي بمقتضى نفس المقرر، دون أن يكن بحاجة إلى طلب الاستفادة من المساعدة القضائية أمام محكمة الاستئناف.
وبالتالي فإن كان المشرع قد ألزم المتعرض على مطلب التحفيظ بتأدية الرسوم القضائية وحقوق المرافعة فإنه أعطى للمتعرض إذا لم يكن قادرا على هذه المصاريف أن يتقدم بطلب إلى وكيل الملك طبقا للشروط المنصوص عليها في المرسوم الملكي.
خاتمة
حاولنا من خلال ها العرض أن نقارب موضوع النيابة العامة في حماية العقار من خلال التركيز على خصوصيات دورها التي تبرز بشكل أكبر في جريمة انتزاع العقار وكذا في مسطرة التحفيظ، ومن خلال مناقشتنا لهذا العرض تراءت لنا بعض الاقتراحات ارتأينا تقديمها على الشكل الآتي:
إصلاح الخطأ المادي الوارد في الفقرة 8 و11 من المواد 40 و49 من قانون المسطرة الجنائية.
السماح للنيابة العامة لإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أو القيام بأي إجراء تحفظي حتى في حالت غياب حكم منفذ.
تحديد أجل البت من طرف القضاء في الأمر الصادر عن النيابة العامة.
إعادة صياغة الفصل 26 من القرار الوزيري والتنصيص فيه بشكل صريح على البحث عن المعني من طرف النيابة قصد إنذاره، والدفاع عن حقوقه في حالة عدم العثور عنه.
الملحق
لائحة المراجع
أولا: الكتب
البحدايني حسام الدين، دور النيابة العامة في نزاعات التحفيظ العقاري، دراسة تأصيلية وتحليلية من رصد لتطبيقات القضائية في الموضوع، مطبعة المعارف الجديدة، طبعة 2016، الرباط.
بونبات محمد بن أحمد، نظام التحفيظ العقاري في المغرب، تونس، الجزائر، سلسلة أفاق، طبعة 2009.
خيري محمد، العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي من خلال القانون الجديد رقم 14.07 المتعلق بالحفيظ، مطبعة المعارف الجديدة، طبعة 2014، الرباط.
وزارة العدل، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، الدعوى العمومية السلطات المختصة بالتحري عن الجرائم، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد 2، مطبعة فضالة، الطبعة الثانية سنة 2004.
ثانيا: الرسائل
أبو الحسن عبد الرحمان، الحماية القانونية لحيازة العقار في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2010-2011.
أرقراق عماد، دور النيابة العامة في مسطرة التحفيظ، رسالة ماستر العقود والعقار، كلية العلوم القانونية بوجدة، سنة 2009-2010.
العتيقي محمد، النيابة العامة ومسطرة التحفيظ العقاري، رسالة ماستر قانون المنازعات العمومية، كلية العلوم القانونية بفاس، سنة 2012-2013.
عدي منير، الحماية الجنائية لحيازة العقار وفق القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2010-2011.
ثالثا: المقالات والمقابلات
أحمد السمحاني، مجال تدخل انيابة العامة لحماية الحيازة العقارية في ضوء قانون المسطرة الجنائية الجديد، مجلة القصر العدد 11 ماي 2005.
الغنام كنزة، دور النيابة العامة في حماية العقار، مقال منشور في مجلة المنبر القانوني، العدد 11، سنة 2016
شوقي نجيب، دور مؤسسة وكيل الملك في جرائم الاعتداء على الحيازة قراءة في الفصل 40 من قانون المسطرة الجنائية، مقال منشور في مجلة الحقوق المغربية، سلسلة الأنظمة والمنازعات العقارية الإصدار الثاني تحت عنوان القواعد الموضوعية والشكلية في مساطر المنازعات العقارية، الجزء الأول، مطبعة الأمنية الطبعة الثانية سنة 2011.
مقابلة أجريت مع الدكتور محمد الوزاني نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتازة، بتاريخ 30/07/2017.
الفهرس
المبحث الأول: مظاهر تدخل النيابة العامة في جريمة انتزاع العقار 4
المطلب الأول: شروط تدخل النيابة العامة 4
الفقرة الأولى: الاعتداء على الحيازة بعد تنفيذ الحكم 4
الفقرة الثانية: ملائمة الأمر باتخاذ الإجراء التحفيظي وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه 7
المطلب الثاني: مراقبة القضاء لأمر النيابة العامة 10
الفقرة الأول: عرض الأمر على القضاء 10
الفقرة الثانية: سلطات قضاء الحيازة وميعاد اتخاذ القرار 13
المبحث الثاني: مظاهر تدخل النيابة العامة في مسطرة التحفيظ العقاري 17
المطلب الأول: الدور الحمائي للنيابة العامة أثناء مسطرة التحفيظ 17
الفقرة الأولى: دور النيابة العامة من خلال حماية حقوق الأغيار 17
الفقرة الثانية: دور النيابة العامة في تنظيم عملية التحديد 21
المطلب الثاني: الدور الإداري للنيابة العامة 22
الفقرة الأولى: دور النيابة العامة في مسطرة التبليغ 23
الفقرة الثانية: دور النيابة العامة في تسيير مكتب المساعدة القضائية 25