الأحكام الجنحية في مادة الهجرة السرية على ضوء العمل القضائي بالمحكمة الابتدائية بتطوان وقرارات المجلس الأعلى
لقد أصبحت ظاهرة الهجرة السرية في السنوات الأخيرة ، وخاصة في العقد الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين ، موضوع اهتمام وانشغال مختلف الدول والحكومات والفاعلين السياسيين والحقوقيين ، بفعل الارتفاع المتزايد في عدد الأشخاص الذين غادروا وطنهم بحثا عن العيش الكريم وتلبية حاجياتهم ، فأمام ظاهرة البطالة التي استفحلت بشكل مقلق وتنامي الأعباء الأسرية تكون فكرة الهجرة سرا إلى الضفة الأوروبية قرارا نهائيا لا بديل له من أجل مستقبل أفضل.
والمغرب كغيره من باقي دول مازال يعاني من ويلات الهجرة غير الشرعية ، بحكم موقعه الجغرافي كصلة وصل بين القارة الإفريقية والأوروبية ، فبالرغم من المجهودات التي يبذلها لمكافحة هذه الظاهرة بمختلف أشكالها فإنها مازالت تنزل بثقلها على الساحة الوطنية وتؤثر على سمعة المغرب بشكل أو بآخر .
ويقصد بالهجرة السرية هروب المواطن من وطنه ، وذلك بطريقة لا يسمح بها البلد المتوجه إليه حسب قانونه المنظم لدخوله " ، وقد عرفتها المادة 50 من ظهير 2003/11/11 : " مغادرة التراب الوطني من طرف أي شخص بصفة سرية ، وذلك باستعماله أثناء اجتياز الحدود البرية أو البحرية أو الجوية ، وسيلة احتيالية للتملص من تقديم الوثائق الرسمية اللازمة أو من القيام بالإجراءات التي توجبها القوانين والأنظمة المعمول بها أو باستعماله وسائل مزورة أو بانتحاله أسماء ، وكذا كل شخص تسلل إلى التراب الوطني أو غادره من منافذ أو عبر أماكن غير مراكز الحدود المعدة خصيصا لذلك " .
وقد عرف الأستاذ محمد نظيف الهجرة السرية بأنها " مغادرة الشخص للوطن الأصلي بصفة غير قانونية..."
وتكتسي دراسة هذا الموضوع أهمية بالغة ، لكون ظاهرة الهجرة السرية أصبحت تمثل مشكلا اجتماعيا خطيرا ، بالنظر إلى تعدد أسبابه ونتائجه التي تحصد المزيد من الأرواح التي تحلم بمستقبل أفضل ، مما جعله يحظى باهتمام المشهد الإعلامي والسياسي سواء الوطني أو الدولي ، وأصبح مصدر قلق للدول المستقبلة للهجرة التي اعتمدته كورقة مزايدات بين مختلف الفرقاء السياسيين ، تركز عليه الأحزاب السياسية في حملاتها الانتخابية 10 ، وهذا ما جعل هذه الظاهرة تفرض نفسها كموضوع للدراسة والمناقشة من خلال العديد من الندوات واللقاءات العلمية الدولية والمحلية ، أما من الناحية الواقعية وبالنظر إلى انعكاساته الإنسانية المأساوية ، أصبح يحتل مكانة متميزة في العلاقات بين الدول المصدرة للهجرة والتي من بينها المغرب والدول المستقبلة لها والمتمثلة في الدول الأوروبية ".
ولهذا كانت غاية المشرع الزجري من القانون رقم 03.02 تحقيق هدفين :
المقاربة الردعية والمقاربة الوقائية ، فإلى أي حد يمكن لنا أن نسلم بأن الاستراتيجية الردعية كافية للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية انطلاقا من تجريم هذه الظاهرة وتنظيمها والواقائع المرتبطة بها طبقا لمقتضيات القانون المذكور ؟ وهل النصوص التي جاءت في هذا القانون شاملة لجميع الحالات المكونة للهجرة وتنظيمها أم أنه خول ذلك للقضاء ، الذي يحدد العناصر الجرمية التي تسري عليها مقتضيات القانون المذكور ، انطلاقا من طبيعة النوازل التي تعرض عليه ؟
وذلك ما سنعالجه في بحثنا هذا ، على ضوء الأحكام القضائية الصادرة بمحكمة التدريب بابتدائية تطوان وبعض قرارات المجلس الأعلى ، من خلال تقسيمه إلى الفصلين التاليين :
الفصل الأول : صور الهجرة السرية لدى المهاجر
المبحث الأول : ضبط الهجرة عند الحدود
المطلب الأول : حالات ضبط الهجرة قبل المغادرة
المطلب الثاني : حالات ضبط الهجرة بعد المغادرة
المبحث الثاني : الآليات القانونية المعتمدة في ضبط وتجريم الهجرة السرية
المطلب الأول : الوسائل اللامشروعة المستعملة في عملية الهجرة السرية
المطلب الثاني : التدابير الوقائية والإدارية المتخذة في ضبط الهجرة
الفصل الثاني : تنظيم الهجرة السرية
المبحث الأول : تجليات الهجرة السرية في إطار منظم
المطلب الأول : مرتكزات تحقق جريمة التنظيم
المطلب الثاني : الأفعال المرتبطة بجريمة تنظيم الهجرة السرية
المبحث الثاني : التدابير الزجرية في تنظيم الهجرة السرية
المطلب الأول : الوسائل اللامشروعة المعتمدة في التنظيم
المطلب الثاني : تقييم الجزاءات المترتبة عن عملية التنظيم
لتحميل البحث كاملا اضغط هنا