الإثبات أساس البث في الدعاوي ، فهو من الموضوعات القانونية المهمـة التـي تحظى باهتمام الباحثين القانونيين نظرا لأهميته العلميـة ، ونظـرا لمـا يثيـره مـن الإشكاليات ، والتي منبعها الأساسي هو تعدد المصادر القانونية لنظام الإثبـات ، فـي التشريع المغربي ، وكذلك تداخلها .
فيقصد بالإثبات لغة ، تأكيد أمر معين أي حق معين بالدليل والحجة ، أمـا قانونـا فيقصد به إقامة الدليل أمام المحكمة بالطرق التي يجيزها القانون عن واقعـة قانونيـة تؤثر في الفصل في الدعوى ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المشرع لم يبح التمسك بـاي دلیل معين ، ولكنه حتم توفر أدلة معينة دون أخرى لإثبات بعض الحقوق .
وحتى يحقق المشرع الغايات المبتغاة من النصوص المنظمة للإثبات ، فإنه لم يقم بالحد من سلطة المحكمة في تقدير الأدلة ، حتى لا يجعل وظيفة هذه الأخيرة آلية لا اثر لها في الحكم .
كما أنه لم يطلق لها الحرية الكاملة في تحديد الأدلة تجنبا لتعسف القضـاة استعمال هذا الحق فيستغلون سلطة وظيفتهم . والملاحظ ، أن المشرع المغربي ، نظم وسائل الإثبات في الميدان المـدنـي فـي مجموعة من القوانين منها قلع و ق.م.م مع تطبيق قواعد الفقه الإسلامي في كثير مـن الحالات .
أما الإثبات في مدونة الأسرة ، فهو منظم بنصوص متفرقة في هذه المدونـة ، كما تتجاذبه طرق الإثبات المنظمة في القوانين الوضعية كقلع و ق.م.م ، وتلـك التـ اقرها الفقه الإسلامي ، لدرجة يكون معها قضاة الأسرة يملكون صلاحية الأخذ بكافـة هذه الطرق لحسم النزاعات المعروضة عليهم بمناسبة تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة.
وموضوع بحثنا المعنون ب " وسائل الإثبات بين قانوني المسطرة المدنية ومدونة الأسرة " ، يسير في اتجاه مناقشة وسائل الإثبات المنظمة والمستعملة في هذين الميدانين .
وذلك انطلاقا من الوسائل الخاصة بكل ميدان ، وانتهاء إلى الوسائل المشتركة بينهمـا ، الأخذ بعين الاعتبار أن الوسائل المنظمة في ق.م.م هي وسائل إثبات إجرائية ، أما ميدان الأسرة فيشهد إلى جانب وسائل الإثبات الإجرائية ، اللجوء إلى وسائل الإثبـات الموضوعية .
وتظهر الأهمية العملية لهذا الموضوع ، في كون أن القاضي الذي يحسن التعامل مع كل من وسائل الإثبات الموضوعية ، وكذلك وسائل الإثبات الإجرائية ، سـينتهي لا محالة إلى إصدار حكم موضوعي وعادل ومحترم لحقوق الأطراف ، وكذلك للقواعـد القانونية .
ولعل الإشكالية الأبرز التي يطرحها هذا الموضوع ، هي سلطة القاضي تجاه هذه الوسائل الخاصة بالإثبات سواء منها الموضوعية أو الإجرائية ، وذلك من خلال الأمـر باجرائها او من خلال تقدير قيمتها .
ويمكن تفريع هذه الإشكالية إلى مجموعة من التساؤلات كالآتي : -هل القاضي ملزم دائما باللجوء إلى تلك الوسائل الخاصة بالإثبات ؟ -هل يملك القاضي الحرية في رفض طلبات الأطراف بخصوص هذه الوسـائل ؟ هي الآثار التي تترتب على ذلك ؟ -ما هي وما القيمة الإثباتية لهذه الوسائل ؟
هذه الأسئلة ، وغيرها ، سنحاول الإجابة عليها ، من خلال النصـوص القانونيـة ، وكذلك مجموعة من اجتهادات المجلس الأعلى ، وعلى ضوء توجهات العمل القضـائي على مستوى محكمتي الاستئناف بالرشيدية ، والمحكمة الابتدائية بها . وحتى نتمكن من الإحاطة بهذا الموضوع سنقسمه إلى فصلين أساسيين كما يلي :