تعتبر المسؤولية المدنية من أكثر مسائل القانون المدني أهمية لما لها من ارتباط وثيق بالضرورات الاجتماعية والاقتصادية ، فإذ كان التطور الصناعي والاقتصادي الذي شهده العالم في القرن التاسع عشر الأثر الكبير في تحقيق رفاهية الشعوب ، فإنه بالمقابل نتجت عنه كثرة المخاطر التي نجمت عن الاستعمال السيء للتكنولوجيا الحديثة ، فكان من نتائج ذلك ارتفاع مهول في عدد ضحايا الحوادث والأمراض سواء في إطار العلاقات التعاقدية أو النشاطات المهنية والتجارية أو السلوك الفردي ، الأمر الذي أخضع معه المسؤولية المدنية لنقاش فكري ، بخصوص أساسها وقواعدها تبعا لتغير أهدافها وأدوارها .
وهكذا ، فقد أصبحت المسؤولية المدنية ، القائمة على أساس إثبات خطأ من يستخدم هذه الآلات ، غير كافية في كفالة حصوص المضرور على تعويض عادل عن أضراره ، بسبب تعدر إثبات الخطأ في أغلب الأحوال ، وصعوبة تحديد ما إذا الخطأ المسبب للضرر هو خطأ الصانع أو المالك أو المستخدم ، وتجلى هذا بشكل واضح في إصابات عمال المصانع ، وضحايا حوادث النقل والمواصلات .
وبالإضافة إلى ما سبق ، فقد حبذت الأفكار الاجتماعية الجديدة ، الحرص على تعويض المضرور عن إصاباته ، باعتباره الأضعف اقتصاديا ، وقد تحقق ذلك بوسائل مختلفة في نطاق كل من المسؤولية العقدية والتقصيرية .
فبالنسبة الإصابات العمل ، اتجه الرأي إلى القول بتضمن عقد العمل شرط سلامة العامل من الأضرار التي تحدث له أثناء قيامه بهذا العمل ، وإذا ما تعرض لحوادث أو أمراض ، كان صاحب العمل مخلا بالتزامه ، والتزم بتعويضه عن أضراره لمجرد حدوثها ، ما لم يثبت أن هذه الأضرار ترجع إلى سبب أجنبي ينفي العلاقة السببية .
وفي إطار المسؤولية التقصيرية توسع القضاء في تحديد نطاق المسؤولية عن الأضرار الناشئة من الأشياء ، وافترض خطأ حارسها كما افترض أيضا الخطأ في مسؤولية الشخص عن الأضرار يحدثها الغير ، وجعل هذا الافتراض غير قابل لإثبات العكس في بعض الحالات ، الأمر الذي كفالة التي سهل على المضرورين الحصول على تعويض عن الأضرار التي لحقتهم ، بعد إعفائهم من إثبات خطة المسؤول .
ولتقريب الفهم من أحكام هذين النـوعين مـن المسـؤولية المدينـة، نـرى أن نعتمـد علـى محـاور تراعي جل هذه الأحكام، وذلك على الشكل الآتي:
- باب تمهيدي: أحكام عامة في المسؤولية المدنية
-باب أول: نظام المسؤولية العقدية
- باب ثاني: نظام المسؤولية التقصيرية
لتحميل الكتاب اضغط هنا