آثار قانون الطوارئ الصحية بالمغرب على حقوق الإنسان
تعتبر الحقوق والحريات العامة من أهم المواضيع التي تهتم بها الأنظمة القانونية المعاصرة ، لما تنطوي عليه من أهمية في حياة المجتمعات المتحضرة ، إذ تعد مؤشرا أصيلا لقياس درجة التطور والرقي رمدی بناء دولة الحق والقانون ، حتى أصبح احترامها وحمايتها معيارا حاسما للانضمام في معظم المنظمات الدولية والإقليمية .
وهذا ما استتبع اهتمام خاصا بتأصيلها في الدساتير الداخلية ، حيث نجد أن المشرع الدستوري يؤكد على ضمان الحقوق والحريات الأساسية للأفراد والجماعات ، والضمانات المخولة لها تجاه السلطة ، ويحرص كل الحرص على تضمين الوثيقة الدستورية من الضمانات ما من شأنه أن يحد من تجاوزات السلطات العامة ، فيضمن بذلك تنظيم تعایش سلمي بين السلطة والحرية في إطار الدولة ، كما أن الحقوق الإنسان اهتماما خاصا في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ، التي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 ، والعهدان الدوليان لسنة 1966 ؛ الأول خاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والثاني خاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، والبروتوكولان الاختياريان ، وهو ما يشكل في مجموعه الدستور أو النظام الأساسي للقانون الدولي لحقوق الإنسان ، وقد حرصت الجهود الدولية المتواصلة و والحثيثة على إرساء دعائمه ، من خلال تدويل مفاهيم حقوق الإنسان كمطلب أساسي للرقي بها وتطويرها ، واعترافا بقيمتها الاجتماعية ودورها في مجال المصالح الحيوية المرتبطة بها .
ثم عزز هاته الجهود بزوز دور المجتمع المدني في مجال العمل الجماعي والحقوقي لكن ، قد يحدث أن تواجه الدولة بعض الظروف الاستثنائية ، التي تعرضها إلى خطر من شأنه أن يقوض كيانها السياسي سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي ، بما يجعل السلطات العامة تلجأ إلى إعلان حالة الطواري بواسطة تشريع أو مرسوم ملكي أو جمهوري ، تطبق فيها قواعد استثنائية لمواجهة هذا الظرف الاستثنائي .
فتضع بعض القيود على الحقوق والحريات ، في الظروف التي تكون فيها السلطة التنفيذية عاجزة وغير قادرة ضمن صلاحياتها المألوفة عن فرض النظام العام بمدلولاته الثلاثة المعروفة وهي : الأمن العام ، والصحة العامة ، والسكينة العامة وإذا كانت السلطة القائمة على تدبير حالة الطوارئ غالبا ما تبرر لجوءها إلى هذا الخيار ، بأسباب ذات مفاهيم عامة تحتمل التأويل ؛ كحفظ حوزة التراب الوطني ، وحفظ النظام العام والواقع أن هذه الحجج لا تعدو كونها تختزل في مصلحة السلطة القائمة ؛ تقوي بها فردا أو جماعة على حساب السلط الأخرى ، خاصة عندما يختل التوازن بين القانون العام والشأن السياسي ، حينها تلجا السلطة للحالة القانونية ، التي تمنحها صلاحية تعليق القانون ، وتضعها موضعا داخل وخارج القانون . وتصبح بالمحصلة حقوق الإنسان عرضة للانتهاك ، حتى وإن كانت الدولة موقعة على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة زمع ذلك فإن هناك وجه أخر للمسألة ، يتعلق بحق الدولة في المحافظة على النظام العام ، وهو واقع سارت عليه أغلب دول العالم منذ زمن بعيد ، وأجازه القانون الدولي لحقوق الإنسان في عدد من مقتضياته المتعلقة بحالة الطوارئ ، منها المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والمادة 27 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان ، والمادة 15 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ، والمادة 30 من الميثاق الاجتماعي الأوروبي ، والمادة 4 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان . وقد أضحى اليوم قانون الطوارئ من المصطلحات الأكثر تداولا على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام ، بسبب انتشار جانحة فيروس كورنا المستجد كوفيد -19 في العديد من بلدان العالم ، مما جعل السلطات العامة تعلن حربا غير مألوفة عليه ، وفق تدابير تكاد تكون موحدة في معظم الدول ، وذلك بفرض أكبر حجر صحي عرفه التاريخ ، حيث منعت معظم الدول الاختلاط والتجمع أضيق الحالات ، من أجل حصار هذا الوباء الذي بات يهدد الصحة العامة .
ولتفادي انتشاره السريع بين الناس ، عمدت الدول ومنها المغرب إلى إعلان حالة الطوارئ ، تقيد بها بعض الحقوق والحريات التي لن تكون بأية حال - حتى وان كانت بالغة الأهمية - ذات معنى أن لم يتم الحفاظ على الحياة نفسها . في 9 وهنا تبرز أهمية المعالجة القانونية لحالة الطوارئ من الناحية النظرية في الوقوف على الإطار المفاهيمي والقانوني لقيام حالة الطوارئ الصحية ، وما يستتبع ذلك من إمكانية إعادة النظر في مفهوم الحرية الفردية والجماعية ، خاصة وأن السبيل الوحيد للنجاة من الوباء - على الأقل حتى الآن .
هو الامتثال وبشكل جماعي لأمر السلطة العامة الداعية للحجر الصحي ، أما من الناحية العملية ، فتتمثل في إبراز حدود ومعالم كل من السلطة من جهة ، والحقوق والحريات من جهة أخرى الذي هاته الأهمية ، هي دافعنا الموضوعي للبحث في هذا الموضوع ، الذي واجهتنا فيه صعوبات تتعلق بقلة المراجع المرتبطة به ، وتعذر الحصول عليها في ظل الحجر المنزلي ، إضافة إلى التعتيم الإعلامي مارسته معظم الصحف والقنوات الإخبارية ، والتغير اليومي للمعطيات المرتبطة بتدبير حالة الطوارئ ، وكذا الآثار المترتبة عنها ، والتدفق المستمر للقرارات الناتجة عن الحكومات ، وحرصها على الإنتاج الكمي للقوانين المرتبطة بتدبير حالة الطوارئ ، علاوة على أن أطوار هذا البحث تمت في ظروف لم ترفع فيها حالة الطوارئ الصحية ، ولم يزل الستار عن تداعياتها المحتملة . إلا أن جدة الموضوع وأهميته كانت حافزا للخوض في دراسته ، علنا نستطيع تسليط الضوء على إحدى الموضوعات المستجدة في القانون ، والتي عرفت أطوارا ملحوظة في الأنظمة القانونية المقارنة ، بينما لا تزال في مرحلتها الجنينية بالمغرب .
هذا بالإضافة إلى اهتمامنا بمواضيع القانون العام ، لذلك نعتبر هذا العمل المتواضع نقل النقاش العمومي الذي يجري في مواقع التواصل الاجتماعي إلى مجال البحث الأكاديمي .