يعتبر تحديد مفهوم الغير في القانون العقاري أمرا ملحا، فقد تعددت النصوص القانونية الواردة ضمن مجلة الحقوق العينية التي تعنى بحماية الغير وصون حقوقه ويعد الفصل 305 من م.ح.ع فصلا مثيرا لإشكاليات مفهوم الغير وعلاقته بالتشطيب إذ جاء فيه:" كل حق عيني لا يتكون إلا بترسيمه بالسجل العقاري وإبتداء من تاريخ ذلك الترسيم. وإبطال الترسيم لا يمكن أن يعارض به الغير الذي إكتسب حقوقا على العقار عن حسن نية وإعتمادا على الترسيمات الواردة بالسجل".
ما يمكن ملاحظته هو أن هذا الفصل ينطلق من تحديد ميلاد الحق العيني وذلك من خلال ترسيمه، ليكون التشطيب حينئذ نهاية هذا الحق وفنائه. لكن نظام الشهر العيني يقوم على استثناء يتمثل في عدم معارضة الغير حسن النية بإبطال الترسيم أو التشطيب عليه فتنذر مقتضيات الفصل 305 من م.ح.ع أن مفهوم الغير في القانون العقاري يتميز بكونه مفهوم مغاير للقواعد الكلاسيكية للقانون المدني.
فتكمن خصوصية مفهوم الغير في القانون العقاري في الثنائية التي يظهر عليها هذا المفهوم ويبرز الوجه الأول من خلال مفهوم موسع يتمثل في أن الغير هو:"كل شخص لم يكن طرفا في العقد ولا ممثلا فيه"، ومن ثمة فهو لا يتمتع بأية صفة للمطالبة بحق مرسم بإعتباره مقصى من دائرة الترسيم.
وترتيبا عما سبق بيانه فإن الغير حسب فلسفة القانون العقاري في مستواه الأول يتمثل في الشخص الذي لم يكن طرفا في عقد مرسم أنشأ حقا عينيا.
أما المستوى الثاني من ثنائية مفهوم الغير في القانون العقاري فهو يكمن في عبارات الفصل 305 من م.ح.ع التي تقر مفهومين للغير مختلف أحدهما عن الآخر2 .
فتتضمن الفقرة الأولى من الفصل المذكور مفهوما مطلقا وموسعا للغير وهوما تم بيانه سالفا بكونه كل أجنبي عن دائرة التعاقد، أما الفقرة الثانية من نفس الفصل فإنها تتضمن مفهوما أضيق للغير الذي يعتبر كل شخص من غير المتعاقدين وورثتهما تكون بينه وبين أحد المتعاقدين علاقة قانونية تجعل له مصلحة في التمسك بالعقد المرسم، ومن ثمة فهو شخص خارج دائرة التعاقد لكن تحققت له مصلحة في استبعاده بالإستناد إلى حق عيني مترتب له على عقار.
وقد أكدت محكمة التعقيب في قرارها عدد 3151 المؤرخ في 25 ماي 1981 أن المراد بالغير هو كل من إنجر لهم حق بوجه خاص أما من أنجر لهم حق بوجه عام كالورثة فلا يعتبرون غيرا..."
ومهما يكن من أمر فإن الغير قد حُظي بحماية تشريعية فحكم التشطيب لا يمكن ترسيمه إذا تعلق بالرسم العقاري حق للغير حسن النية.